سيطرت الاستفادة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوسيع قاعدة استخدامهما على المنتدى العالمي للاستدامة الذي عقدت نسخته الثانية في الأول من يوليو 2024 في أبوظبي.

ويشكل المنتدى الذي نظمته شركة أبوظبي للنفط أدنوك بالتعاون مع بورصة نيويورك وشبكة الرؤساء التنفيذيين للاستدامة منصة مفتوحة لاستكمال توصيات «المنتدى العالمي للاستدامة» الأول الذي انعقد على هامش مؤتمر الأطراف كوب 28 بهدف دفع عجلة مستهدفات الاستدامة قُدُماً.

ويقول إبراهيم الزعبي الرئيس التنفيذي للاستدامة في أدنوك ورئيس شبكة الرؤساء التنفيذيين للاستدامة «أطلقنا اليوم من خلال الشبكة الإقليمية لرؤساء التنمية والاستدامة وشركة IBM مركزاً للشركات الناشئة ولأصحاب الأفكار من المنطقة، يكون متخصصاً في الذكاء الاصطناعي بهدف الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة وتقديم حلول متخصصة في التنمية المستدامة، ويضمن عائدات اجتماعية واقتصادية وبيئية».

يهدف المركز الجديد إلى توفير منصة حيوية للحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية للتعاون في ما بينها على تطوير حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي لخفض الانبعاثات وتعزيز الاستدامة في مختلف القطاعات ودعم تحقيق أهداف «اتفاق الإمارات» التاريخي الذي تم توقيعه في ختام مؤتمر الأطراف COP28.

جاء الإعلان خلال الحدث الذي أقيم تحت شعار «الذكاء الاصطناعي لأجل المناخ والطبيعة» وجمع مسؤولين حكوميين ورؤساء تنفيذيين وكبار مزودي التكنولوجيا المتقدمة وقيادات من القطاع الخاص والمبتكرين، للعمل انطلاقاً من دولة الإمارات على تسريع الحلول المستدامة القائمة على التكنولوجيا للتعامل مع العديد من التحديات المناخية والبيئية الملحّة.

وقال الدكتور يسار جرار، الأمين العام لشبكة الرؤساء التنفيذيين للاستدامة CSO Network، الشريك الإداري والمدير العام لمعهد بوستريتي: «سيشكّل (مركز الذكاء الاصطناعي لأجل الاستدامة) حلقة وصل لتبنّي أفضل الممارسات وتوسيع نطاق الحلول الفعالة وتحويل الأفكار المبتكرة من مفاهيم أولية إلى مبادرات عملية قابلة للتطبيق على نطاقات تجارية.. وسنعمل بالتعاون مع أعضاء شبكة الرؤساء التنفيذيين للاستدامة CSO والهيئات التنظيمية الفاعلة من أجل الاستفادة المُثلى من التقنيات المتطورة للذكاء الاصطناعي، ومنها الخوارزميات المتقدمة للتعلم الآلي والتحليلات التنبؤية والمعالجة الفورية للبيانات».

وأضاف: «ستمكننا هذه الأدوات من توقّع التأثيرات البيئية بدقة والتخفيف من تداعياتها، بالإضافة إلى تحسين آليات استخدام الموارد وتعزيز الكفاءة في مجالات حيوية كالعمليات الصناعية ونظم إدارة الطاقة، كما أن تعاوننا مع شركة (آي بي إم) وغيرها من شركاء التكنولوجيا سيحقق الاستثمار الأفضل لإمكانات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التعلم العميق ومعالجة اللغة الطبيعية، لمواجهة تحديات الاستدامة الأكثر إلحاحاً في عصرنا الحالي».

وأضاف الزعبي أن «تطبيق التكنولوجيا و الذكاء الاصطناعي سيسرع الوصول إلى تطبيق أهداف التنمية المستدامة في عناصرها الثلاثة الاجتماعية والاقتصادية والبيئة.. كما يوفر عائدات مادية إلى جانب تسريع الوصول إلى الأهداف الوطنية للاستدامة”.

الاستدامة الذكية

يبقى قياس أداء الاستدامة النقطة الفاصلة في تقييم المستهدفات وموضع نقاش بارز لدى مجتمع رؤساء التنمية والاستدامة في الشركات، كما قال الزعبي الذي أشاد بضرورة التماشي مع الخطط التي تم التوافق عليها في كوب 28 واتفاقيات دولية أخرى اعتمدتها الدول من خلال قياس الأداء.

حتى اليوم هناك أدوات عالمية واحدة للقياس، نسعى إلى تفعيلها على الصعيدين الإقليمي والمحلي، وفق الزعبي الذي يرى أن التكنولوجيات المبتكرة والذكية ستساعد في أخذ الأهداف والمؤشرات الإقليمية لأدوات القياس هذه بعين الاعتبار، وبالتالي تسهل الوصول السريع للمستهدفات وفق الخطط الموضوعة.

وأرست تجربة أدنوك على هذا الصعيد علامة فارقة في تسريع الوصول إلى أهداف الاستدامة، ويقول الزعبي إنه من خلال تطبيق أكثر من 30 أداة في الذكاء الاصطناعي تم تحقيق عائدات بلغت 500 مليون دولار وتخفيض الانبعاثات بنحو مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.

استثمارات ذكية مرشحة للنمو

قُدر حجم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي العالمي في صناعة الطاقة المتجددة بنحو 10 مليارات دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى نحو 114.87 مليار دولار بحلول عام 2032 أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 27.70 في المئة خلال الفترة المتوقعة من 2023 إلى 2032 وفق شركة الأبحاث بريسيدينت.

ولعل أحد العوامل الرئيسية التي تدفع نمو الذكاء الاصطناعي العالمي في صناعة الطاقة المتجددة هو الطلب المتزايد على الكهرباء في المناطق الناشئة، حيث الحاجة لشبكات الطاقة الأكثر ذكاءً في تزايد مستمر إلى جانب الرقمنة التي يشهدها قطاع الطاقة.

ولأن الذكاء الاصطناعي يعتمد على كمية هائلة من البيانات والمعلومات لتحليل وتبسيط العمليات في قطاع الطاقة المتجددة، فإنه يشكل أداة قياس فعالة من مراقبة البيانات وتحليلها وحتى تحسين العمليات والتنبؤ بالطلب أو تخصيص الموارد بشكل مستقل بهدف تقديم حلول مثالية لمواجهة التحديات البيئية وتعزيز الممارسات المستدامة.

كما يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في تعظيم كفاءة موارد الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فالتنبؤ بالطبيعة المتقطعة لهذه المصادر وإدارتها يشكل تحدياً كبيراً لشبكات الطاقة، ويقوم الذكاء الاصطناعي باستخدام خوارزميات تحلل أنماط الطقس والبيانات التاريخية والمعلومات في الوقت الفعلي، ويساعد في التنبؤ بإنتاج الطاقة من المصادر المتجددة بدقة.

كما يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين كفاءة استخدام الطاقة في مختلف الصناعات، فتقوم خوارزميات التعلم الآلي بتحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد الأنماط وتحسين استهلاك الطاقة كتنظيم أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، بناءً على البيانات في الوقت الفعلي، وأنماط الإشغال، والتنبؤات الجوية، وهذا يؤدي إلى توفير الطاقة دون المساس بالراحة أو الأداء الوظيفي.

وللذكاء الاصطناعي دور أساسي في تطوير الشبكات الذكية التي تتيح توزيعاً أكثر ديناميكية واستجابة للطاقة، فمن خلال المراقبة والتحليل في الوقت الفعلي، تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على تحسين تدفق الكهرباء، وتقليل خسائر النقل، وتعزيز مرونة الشبكة بشكل عام، ويمكن لهذه الشبكات الذكية أن تتكيف مع التغيرات في الطلب والعرض من الطاقة، ما يسهل تكامل مصادر الطاقة المتنوعة.

وعلى صعيد حلول تخزين الطاقة، توفر الخوارزميات الذكية موثوقية الطاقة المتجددة ودعم الانتقال إلى بنية تحتية للطاقة لامركزية وأكثر مرونة، سواء في إدارة وتحسين عملية شحن وتفريغ البطاريات في السيارات الكهربائية وأنظمة التخزين الثابتة.

كما يحسن الذكاء الاصطناعي من عمليات التنبؤ بالطلب على الطاقة وإمداداتها، وعمليات الشبكة المحسنة وتخصيص الموارد، ما يتيح تكاملاً أفضل لمصادر الطاقة المتجددة من خلال التنبؤ بمخرجاتها المتغيرة، ومعالجة الطبيعة المتقطعة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

لذا يعوّل على التقنيات الذكية في العبور بالمجتمعات نحو الاستدامة والإنتاجية والنمو، فهل تكون على قدر التوقعات وتسهم في تحقيق العدالة التكنولوجية والمناخية؟